مصدر
يقول أندرو فاينبرج، خبير «الوراثة اللاجينية» Epigenetics بجامعة جونز هوبكنز في بالتيمور، ميريلاند: «غالبًا لاتلتقط التقنيات المتاحة سوى "ظلال بيوكيميائية ضئيلة" من أحداث جارية بموقع معين، في حين أن مجموعة كاملة مناللاعبين وآلياتها لا تزال غامضة». وحتى عندما يمكنك تحديد الجزيء اللاجيني، بحسب توني كوزاريديس، عالمالأحياء الجزيئية بجامعة كمبريدج، المملكة المتحدة: «يجب أن تستنبط لماذا هو هناك، وماذا يفعل هناك».
الوراثة اللاجينية: قراءة الترميز الجينومي الثاني | TECHNOLOGY
لكي ينقل الجين الأوامر التي يحملها يجب أن يخضع لعمليتين متتاليتين الأولى هي عملية الترجمة translation ويحدثفيها فك الطي المعقد لجزىء الDNA فى المنطقة الموجود بها الجين وفك الروابط الهيدروجينية التي تربط لولبي الDNA ببعضهما البعض وكذلك الروابط التي تربط الجزيء بجزيئات بروتينية أصغر تعرف بالهستونات محيطة به ثم يدخلجزىء الRNA ليصنع تتابعًا من القواعد النيتروجينية مكملًا لمثيله على جزيء الDNA فى المنطقة المراد ترجمتها.
ثم تحدث العملية الثانية ألا وهي النسخ (transcription) على جزيء الRNA حيث تتم ترجمة تتابع القواعدالنيتروجينية الذي تم نسخه إلى تتابع من الأحماض الأمينية المشكلة للبروتين والذي سيقوم هنا بدور الرسول الناقلللأوامر التي يحملها الجين عن طريق الارتباط بمستقبلات خاصة به سواء داخل الخلية نفسها أو في خلية أخرى.
كيف تتداخل هنا العوامل البيئية؟حتى الأن اكتُشِفت عدة أليات لتداخل هذة العوامل وتسبب هذه التدخلات تغيرات فيسلوك الجينات والذي بدوره قد يسبب تغيرًا كبيرًا في سلوك الكائن الحي وحتى في خصائصه الشكلية عند توريثهاعلى مدى أكثر من جيل.
أول هذة الآليات هو متيلة الDNA وذلك عبر إضافة مجموعة ميتيل CH3 إلى مجموعة سيتوزين cytosine أو أدينينadenine على جزيء الDNA ، ستعوق مجموعة الميثيل هذه دخول الأنزيمات المفككة لطي جزيء الDNA مما يؤديبالجين الموجود عليه لأن يعمل كمثبط لترميز الجينات التالية له، ولهذه العملية دور هام في عملية تمايز الخلايا داخلالجنين لتتحول إلى أعضاء مختلفة، وكذلك في منع ترميز جينات بعينها قد يتسبب نشاطها في الإصابة ببعض أنواعالسرطانات وتصلب الشرايين، كما أن لها دور فى عملية الشيخوخة، وبتأثير البيئة المحيطة مثل نوعية الطعام والهواءونمط الحياة قد يحدث متيلة لبعض النقاط على شريط الDNA أو إزالة لمجموعة الميثيل مما يزيد أو ينقص احتمالاتالإصابة بهذه الأمراض، أي أن وجود الجين في حد ذاته قد لا يكون كافيًا للإصابة، بل يجب أن تتداخل البيئة معه أيضًا.
ثاني هذة الآليات هو تعديل الهستونات، الهستونات كما ذكرنا بروتينات ترتبط بالDNA بطريقة معقدة وتعمل كقالبيحفظ شكله وطيته، وُجِد أن لهذه البروتينات دور في كيفية تعبير الجينات عن نفسها، بتأثير البيئة المحيطة قد تتسبببعض الأنزيمات في إضافة مجموعات مثل الأسيتيل CH3CHO أو الميثيل CH3 أو الفوسفات PO4 أو غيرها مما يؤثرعلى خواص الهستونات ويتسبب في وجود نتوءات أو حفر فى شكلها الفراغي وهذا يؤثر بدوره على طي جزيءالDNA ويجعل جينات معينة قابلة للترجمة والنسخ بينما يترك جينات أخرى مدفونة في الأسفل مما يصعب علىالانزيمات الوصول إليها.
الآلية الثالثة تحدث بعد عملية ترجمة الDNA وقبل النسخ عن طريق التداخل مع جزيء الRNA الحامل للأكواد وذلكبطرق متعددة من ضمنها على سبيل المثال الRNA فائق الصغر (MicroRNA) الذي يرتبط بجزيء الRNA ويمنع ترجمةمحتوياته إلى بروتين، وتشمل أيضًا متيلة الRNA وطرق أخرى.الآلية الرابعة تحدث بعد عملية النسخ إلى بروتينات،تقريبًا بطريقة مشابهة للتغيرات في الهستونات، حيث تتسبب بعض أنزيمات الخلية التي تنشط بسبب تداخل معقدلعوامل متعددة -داخلية و بيئية- في إضافة بعض المجموعات الكيميائية للبروتين الناتج مما يؤثر على شكله الفراغيويؤثر بشكل كبير على خصائصه وقدرته على أداء وظائفه والتعامل مع مستقبلاته.
اكتشافات بحثيّة حديثة وأمثلة على التأثيرات
تمّ ملاحظة بعض التغيّرات فوق الجينيّة لدى التعرّض لمؤثرات بيئيّة معيّنة. فمثلا، تغيّر لون فرو بعض الفئران وأوزانهموقابليتهم لنشوء السرطان في أجسادهم لدى تعرّضهم لحمية غذائيّة معيّنة، من خلال تنشيط جين معيّن Agouti gene.[71][72]
كما أنّ هناك دراسة تقول بأنّ الأحداث الصّادمة قد تولّد مشاعر خوف تُمَرّر للأجيال القادمة عن طريق العوامل فوقالجينيّة. مثلاً، أفادت دراسة على الفئران عام 2013 أنّ الفئران قد تنتج ذرّية لديها نفور عامّ من أدوات معيّنة؛ لأنّها كانتمصدرًا لتجارب سيئة لأجدادهم أو آبائهم.[73][74]
لكنّ الدراسة السابقة واجهت عدّة انتقادات، منها التحيّز في رصد النتائج بسبب الجودة الإحصائيّة المنخفضةللدراسة،[75] كما أنّ عدد الفئران في التجربة قليل لكي يتمّ تعميم النتيجة على البقيّة.[76][77]
أمّا في البشر، فلم يجد الباحثون فرقًا في التوائم المتطابقين (المتعرضين لتأثير بيئي مختلف) في سنين حياتهم الأولى،لكنّ الفرق فوق الجيني اتّضح عندما كبروا قليلًا، حيث ظهر الاختلاف في مثيلة الحمض النوويّ وتعديلات الهستون،وكان التوائم الذين قضوا وقتا أقلّ مع بعضهم هم الأكثر اختلافًا على الصعيد فوق الجينيّ.[78]
تمّ تسجيل أكثر من 100 ظاهرة وراثة فوق جينيّة عبر الأجيال في طيف واسع من الكائنات الحية (وحيدات الخلايا،النباتات، الحيوانات)[79] على سبيل المثال، تغيّر فراشات Mourning Cloack لونها من خلال تغيّرات معينة فيالهرمونات نتيجة تعرّضها لدرجات حرارة مختلفة.[80]كما أظهرت دراسات حديثة أنّ الإنزيمات نازعات الأمين من عائلةAPOBEC/AID من الممكن أن تؤثّر في الوراثة الجينيّة وفوق الجينيّة بشكل متزامن، باستخدام آليات جزيئيّة مشابهة
إن عملية إضافة مجموعة ميثيل إلى الحمض النووي DNA methylation غير شائعة في عالم الأحياء. قد تظهر فيالفقاريات والنباتات، وبعض أنواع الفطريات والحشرات، لكنها تختفي تمامًا في الأنواع الأخرى.
تمثل الكائنات المجهرية عنصرًا أساسيًّا في معامل البيولوجيا الجزيئية، لكنها تفتقر إلى القدرة على إضافة مجموعةالميثيل إلى حمضها النووي بتصنيع الإنزيمات الضرورية –حسب الاعتقاد السابق– لإضافة الميثيل للحمض النووي.
أظهرت الدراسة أن أسلاف C. neoformans تمكنت من التحكم في عمليات إضافة الميثيل للحمض النووي باستخدامإنزيمين. الإنزيم الأول de novo methyltransferase مسؤول عن إضافة مجموعة جديدة من الميثيل لجزيء من الحمضالنووي لم يتعرض لهذه العملية سابقًا، أما الإنزيم الآخر maintenance methyltransferase فيحمي مجموعات الميثيلالموجودة بالفعل أو يضيف مجموعات ميثيل لجزيء جديد من الحمض النووي مستخدمًا الموجود بالفعل قالبًا لعمليةالتضاعف. يُعَد هذا الأمر شائعًا في الأنواع التي تستخدم عملية إضافة الميثيل للتحكم في الحمض النووي، وتحتويكلا الإنزيمين.
هناك انواع جديدة لا تملك القدرة على تخليق هذا الإنزيم.و يمتلك القدرة على إضافة مجموعة الميثيل إلى الحمضالنووي في غياب الإنزيم المسؤول عن العملية. يقول مادني: «لا نفهم كيف استمرت عملية إضافة الميثيل منذ العصرالطباشيري في غياب إنزيم de novo methyltransferase».
رغم ذلك استمر النوع في تصنيع الإنزيم الآخر maintenance methyltransferase المسؤول عن حماية مجموعات الميثيلالموجودة بالفعل ونسخها. ومن المثير للدهشة أن هذا الإنزيم يتميز بقدرة فريدة على استنساخ مجموعات الميثيل بدقة،
قد تتعرض مجموعات الميثيل المرتبطة بالحمض النووي للتلف أو الفقد العشوائي، فيمثل إصلاحها عبئًا على الإنزيمmaintenance methyltransferase. ويتراكم التلف تدريجيًّا ويصعب على الإنزيم إصلاحه في غياب القالب الأصليالمسؤول عن عملية النسخ. تحدث عمليات الفقد أو التلف بمعدل بطيء، وأظهرت المشاهدات التجريبية اختفاء علاماتالميثيل من نصف الكائنات بعد 7,500 جيل. وبافتراض أن خميرة C. neoformans تتكاثر طبيعيًّا بمعدل أبطأ 100 مرة ممافي المختبر، فإن 7,500 جيل تعادل زمنًا مقداره 130 عامًا فقط.
كذلك لا يمكن الاعتماد على الاكتساب العشوائي أو النادر لمجموعات الميثيل في تفسير استمرار عملية إضافة الميثيل فيخميرة C. neoformans، إذ أظهرت التجارب أن معدل تكوين مجموعات ميثيل جديدة بالصدفة أقل 20 مرة من معدل تلفالمجموعات الموجودة بالفعل.
وظائف عملية إضافة الميثيل حماية الجينوم نفسه. مثل الترانسبوزونات المُثبِّطَة silencing transposons».
تُعَد الترانسبوزونات جينات قافزة، أي لديها القدرة على الانفصال من مكانها بالجينوم والاندماج مرةً أخرى في موضعجديد، وبفرض أن ترانسبوزون انفصل من مكانه والتحم مع جين آخر ضروري للحياة، فإن الترانسبوزون سيثبط الجين،معرضًا الخلية للموت. بذلك تضمن إضافة الميثيل للترانسبوزونات المثبِّطة أفضلية للبقاء
🗝 يمكن لجهاز المائع النانوي فرز جزيئات الحمض النووي «DNA» للعثور على علامات وراثية لاجينية.
تسمى الطريقة القياسية المستخدمة لدراسة تعديلات الوراثة اللاجينية للهيستون «الحث المناعي للكروماتين» (ChIP)،المقرون بفك المتتابعات2. والفكرة الأساسية هي قص الحمض النووي «DNA»، بينما لا يزال ملفوفا حول الهيستونات،واستخدم الأجسام المضادة لالتقاط مركبات محددة من شظايا البروتين-الحمض النووي، ومن ثمّ دراسة أي متتابعاتالحمض النووي «DNA» تعلق بأي بروتينات. ويساعد هذا النهج على مراجعة كيف تضبط التفاعلات الجينات؛ فتفعِّلبعضها، وتسكت الأخرى.